الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}المحو الإزالة محوت الخط أذهبت أثره ومحا المطر رسم الدار أذهبه وأزاله ويقال في مضارعه يمحو ويمحي لأن عينه حرف حلق والإثبات ضد محو.{ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}.قال الكلبي: عيرت اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيًا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فنزلت هذه الآية.قيل: وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ، فرد الله تعالى عليهم بأنّ الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية، وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم، ولا يأتون بما يقترح عليهم.ومن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب فيه على العباد أي: يفرض عليهم ما يريده تعالى.وقوله: {لكل أجل كتاب}، لفظ عام في الأشياء التي لها آجال، لأنه ليس منها شيء إلا وله أجل في بدئه وفي خاتمته، وذلك الأجل مكتوب محصور.وقال الضحاك والفراء: المعنى لكل كتاب أجل، ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه، إذ ثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية كالجنة ونعيم أهلها، لا أجل لها.والظاهر أنّ المحو عبارة عن النسخ من الشرائع والأحكام، والإثبات عبارة عن دوامها وتقررها وبقائها أي: يمحو ما يشاء محوه، ويثبت ما يشاء إثباته.وقيل: هذا عام في الرزق والأجل والسعادة والشقاوة، ونسب هذا إلى: عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، والضحاك، وابن جريج، وكعب الأحبار، والكلبي.وروي عن عمر، وابن مسعود، وأبي وائل في دعائهم ما معناه إنْ كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، أو في الأشقياء فامحنى منهم.وإنْ صح عنهم فينبغي أن يتأول على أن المعنى: إنْ كنت أشقيتنا بالمعصية فامحها عنا بالمغفرة.ومعلوم أنّ الشقاء والسعادة والرزق والخلق والأجل لا يتغير شيء منها.وقال ابن عباس: يمحوا الله ما يشاء من أمور عباده إلا السعادة والشقاوة والآجال، فإنه لا محو فيها.وقال الحسن وفرقة: هي آجال بني آدم تكتب في ليلة القدر.وقيل: في ليلة نصف شعبان آجال الموتى، فتمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الأموات.وقال قيس بن عباد: في العاشر من رجب يمحو الله ما يشاء ويثبت.وقال ابن عباس: والضحاك: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتب كل قول وفعل، ويثبت غيره.وقيل: يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة، ويثبت إيمانهم وطاعتهم.وقيل: يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضًا من الأناسي، وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها.وقال الزمخشري: {يمحو الله ما يشاء}، ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت به له ما يرى المصلحة في إثباته، أو يتركه غير منسوخ، والكلام في نحو هذا واسع المجال انتهى.وهو وقول: قتادة، وابن جبير، وابن زيد قالوا: يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه.وقال مجاهد: يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، إلا الحياة والموت والشقاوة والسعادة.وقال الكلبي: يمحو من الرزق ويزيد فيه.وقال ابن جبير أيضًا: يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر.وقال عكرمة: يمحو يعني بالتوبة جميع الذنوب، ويثبت بدل الذنوب حسنات.قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات} وقيل: ينسى الحفظة من الذنوب ولا ينسى.وقال الحسن: يمحو الله ما يشاء أجله، ويثبت من يأتي أجله.وقال السدي: يمحو الله يعني القمر، ويثبت يعني الشمس بيانه: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} الآية.وقال ابن عباس: إنّ لله لوحًا محفوظًا وذكر وصفه في كتاب التحبير، ثم قال: لله تعالى فيه في كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة، يثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء.وقال الربيع: هذا في الأرواح حالة النوم يقبضها عند النوم إذا أراد موته فجأة أمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته وردّه إلى صاحبه، بيانه قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} الآية.وقال علي بن أبي طالب: يمحو الله ما يشاء من القرون لقوله: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون} ويثبت ما يشاء منها لقوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم قرونًا آخرين} فيمحو قرنًا ويثبت قرنًا.وقال ابن عباس: يمحو يميت الرجل على ضلالة وقد عمل بالطاعة الزمن الطويل، يختمه بالمعصية ويثبت عكسه.وقيل: يمحو الدنيا ويثبت الآخرة.وفي الحديث عن أبي الدرداء: «أنه تعالى يفتح الذكر في ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر ما في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء» وقال الغزنوي: ما في اللوح المحفوظ خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل وإحاطة الخلق بجميع علم الله تعالى، وما في علمه تعالى من تقدير الأشياء لا يبدل انتهى.وقيل: غير ذلك مما يطول نقله.وقد استدلت الرافضة بقوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}، على أنّ البدء جائز على الله تعالى، وهو أنْ يعتقد شيئًا ثم يظهر له أنّ الأمر خلاف ما اعتقده، وهذا باطل لأنّ علمه تعالى من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالًا.وأما الآية فقد احتملت تلك التأويلات المتقدمة، فليست نصًا فيما ادعوه، ولو كانت نصًا وجب تأويله.وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: ويثبت مخففًا من أثبت، وباقي السبعة مثقلًا من ثبت.وأما قوله: {أم الكتاب} فقال ابن عباس: أم الكتاب الذكر، وقال أيضًا وهو كعب هو علم ما هو خالق وما خلقه عاملون.وقالت فرقة: الحلال والحرام، وهو قول الحسن.وقال الزمخشري: أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأنّ كل كائن مكتوب فيه انتهى.وما جرى مجرى الأصل للشيء تسميه العرب، أمّا كقولهم: أم الرأس للدماغ، وأم القرى مكة.وقال ابن عطية: وأصوب ما يفسر به أم الكتاب أنه ديوان الأمور المحدثة التي قد سبق في القضاء أن تبدل وتمحى، أو تثبت.وقال نحوه قتادة. اهـ..قال أبو السعود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا}كثيرةً كائنة: {مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} نساء وأولادًا كما جعلناها لك وهو رد لما كانوا يَعيبونه صلى الله عليه وسلم بالزواج والولاد، كما كانوا يقولون: ما لهذا الرسولِ يأكل الطعام؟ الخ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} منهم أي ما صح وما استقام ولم يكن في وسعه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا} مما اقتُرح عليه وحكمٍ مما التُمس منه: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} ومشيئتِه المبنية على الحِكم والمصالحِ التي عليها يدور أمرُ الكائنات لاسيما مثلُ هذه الأمورِ العظام، والالتفاتُ لما قدمناه ولتحقيق مضمون الجملةِ بالإيماء إلى العلة: {لِكُلّ أَجَلٍ} أي لكل مدةٍ ووقت من المُدد والأوقات: {كِتَابٌ} حكمٌ معين يُكتب على العباد حسبما تقتضيه الحكمةُ فإن الشرائعَ كلها لإصلاح أحوالِهم في المبدأ والمعاد ومن قضية ذلك أنه يختلف حسب اختلافِ أحوالِهم المتغيّرةِ حسب تغيّرِ الأوقات كاختلاف العِلاج حسب اختلافِ أحوالِ المرضى بحسب الأوقات.{يَمْحُو الله مَا يَشَاء} أي ينسخ ما يشاء نسخَه من الأحكام لما تقتضيه الحكمةُ بحسب الوقت: {وَيُثَبّتْ} بدلَه ما فيه المصلحةُ أو يبقيه على حاله غيرَ منسوخ أو يثبتُ ما شاء إثباتَه مطلقًا أعمَّ منهما ومن الإنشاء ابتداءً، أو يمحو من ديوان الحفَظةِ الذين ديدنُهم كَتْبُ كلِّ قولٍ وعملِ ما لا يتعلق به الجزاءُ ويثبت الباقيَ، أو يمحو سيئاتِ التائبِ ويثبت مكانها الحسنةَ أو يمحو قَرْنًا ويثبت آخرين أو يمحو الفاسداتِ من العالم الجُسماني ويثبت الكائناتِ، أو يمحو الأجل أو السعادة والشقاوة، وبه قال ابن مسعود وابنُ عمر رضى الله عنهم والقائلون به يتضرعون إلى الله تعالى أن يجعلهم سعداءَ وهذا رواه جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام، والأنسبُ تعميمُ كل من المحو والإثبات ليشمل الكل، ويدخلُ في ذلك موادُّ الإنكار دخولًا أوليًا وقرئ بالتشديد: {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أي أصلُه وهو اللوحُ المحفوظُ إذ ما من شيء من الذاهب والثابت إلا وهو مكتوبٌ فيه كما هو. اهـ..قال الألوسي: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا}كثيرة كائنة: {مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} أي نساء وأولادًا كما جعلناها لك، روي عن الكلبي أن اليهود عيرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ولو كان نبيًا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء فنزلت ردًا عليهم حيث تضمنت أن التزوج لا ينافي النبوة وأن الجمع بينهما قد وقع في رسل كثيرة قبله.ذكر أنه كان لسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة مهرية وسبعمائة سرية وأنه كان لداود عليه السلام مائة امرأة، ولم يتعرض جل شأنه لرد قولهم: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء للإشارة إلى أنه لا يستحق جوابًا لظهور أنه عليه الصلاة والسلام لم يشغله أمر النساء عن شيء ما من أمر النبوة، وفي أدائه صلى الله عليه وسلم للأمرين على أكمل وجه دليل وأي دليل على مزيد كماله ملكية وبشرية.ومما يوضح ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع الأيام حتى يشد على بطنه الشريف الحجر ومع ذا يطوف على جميع نسائه في الليلة الواحدة ولا يمنعه ذاك عن هذا.وفي تكثير نسائه عليه الصلاة والسلام فوائد جمة، ولو لم يكن فيه سوى الوقوف على استواء سره وعلنه لكفى، وذلك لأن النساء من شأنهم أن لا يحفظن سرًا كيفما كان فلو كان منه عليه الصلاة والسلام في السر ما يخالف العلن لوقفن عليه مع كثرتهن ولو كن قد وقفن لأفشوه عملا بمقتضى طباع النساء لاسيما الضرائر.ومن وقف على الآثار وأحاط خبرًا بما روى عن هاتيك النساء الطاهرات علم أنهن لم يتركن شيئًا من أحواله الخفية إلا ذكروه، وناهيك ما روى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في الإيلاج بدون إنزال هل يوجب الغسل أم لا؟ فسألوا عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت ولا حياء في الدين: فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا جميعًا؛ وروي أنهم طعنوا في نبوته بالتزوج وبعدم الإتيان بما يقترحونه من الآيات فنزل ذلك وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي وما صح وما استقام ولم يكن في وسع رسول الله من الرسل الذين من قبل أن يأتي من أرسل إليهم بآية ومعجزة يقترحونها عليه إلا بتيسير الله تعالى ومشيئته المبنية على الحكم والمصالح التي يدور عليها أمر الكائنات، وقد يراد بالآية الآية الكتابية النازلة بالحكم على وفق مراد المرسل إليهم وهو أوفق بما بعد، وجوز إرادة الأمرين باعتبار عموم المجاز أي الدال مطلقًا أو على استعمال اللفظ في معنييه بناء على جوازه، والالتفات لما تقدم ولتحقيق مضمون الجملة بالإيمان إلى العلة.{لِكُلّ أَجَلٍ} أي لكل وقت ومدة من الأوقات والمدد: {كِتَابٌ} حكم معين يكتب على العباد حسبما تقتضيه الحكمة، فإن الشرائع كلها لإصلاح أحوالهم في المبدأ والمعاد، ومن قضية ذلك أن تختلف حسب أحوالهم المتغيرة حسب تغير الأوقات كاختلاف العلاج حسب اختلاف أحوال المرضى بحسب الأوقات، وهذا عند بعض رد لما أنكروه عليه عليه الصلاة والسلام من نسخ بعض الأحكام كما أن ما قبله رد لطعنهم بعدم الإتيان بالمعجزات المقترحة.
|